تنتشر طوابير "الخدمة السريعة" التي
تتيح أولوية من حيث التعامل لفئة معينة في البنوك ومدن الملاهي، فهل هي
مؤشر على كفاءة الخدمة المقدمة، أو مجرد وسيلة أخرى لتقسيم المجتمع؟
إذا
كانت لديك حسابات مالية كبيرة في بنك "بانورتيه"، أحد أكبر البنوك في
المكسيك، فسوف ترصد ما نتحدث عنه بمجرد دخولك إلى أحد أفرع البنك الـ 900.
يتلقى
الموظفون في البنك رسالة، بمجرد تمرير بطاقتك الائتمانية على جهاز فتح
الباب، تفيد بوجودك داخل المبنى، وإن كنت تتمتع بأولوية في التعامل. وما
عليك إلا أن تتبع الموظف الذي يرحب بك والمكلف بمساعدتك، وهو سيخبرك بأنه
لا يتعين عليك الانتظار في الطابور مع الآخرين.
أصبح ذلك ممكنا بفضل
تقنية صممتها شركة "ويفتيك" متعددة الجنسيات للتكنولوجيا، والمتخصصة في
"أنظمة إدارة الطوابير"، لاسيما مع تزايد طلب العملاء الذين يريدون امتلاك
وسائل تساعدهم في إعطاء أولوية لزبائن يتمتعون بخصوصية أو مكانة بارزة.
ويمكن
تحقيق ذلك عن طريق تمرير بطاقة ائتمانية على جهاز التحقق من الهوية، بيد
أن "ويفتيك" تجري تجارب على استخدام أدوات أخرى، من بينها استخدام البلوتوث
لتحديد موقع هواتف عملاء، وهو ما يتيح للموظفين معرفة أن عميلا بارزا
لشركتهم بالقرب منهم.
ويقول توبياس بيسون، نائب المدير التنفيذي للشركة : "التكنولوجيا
متوفرة، أليس كذلك؟ يعتمد الأمر على مدى استعداد الأشخاص لتقبلها أم لا".
بيد
أن ثمة مشكلة، فالجميع غير متحمسين لزيادة ظاهرة "طوابير من يحظون
بأولوية" التي تتطلب أحيانا دفع رسوم إضافية لتفادي الانتظار في الطوابير
الأساسية.
ونشأت الفكرة من ظاهرة معروفة في الولايات المتحدة وتنتشر
حاليا على مستوى العالم. فالطوابير يمكن تفاديها عمليا في كل مكان، من أمن
المطارات إلى مهرجانات الموسيقى، فقط يتعين شراء بطاقة تسريع الخدمة، أو
بطاقة دخول الشخصيات البارزة.
كتب جوليان باغيني، الصحفي في جريدة "الغارديان" البريطانية، عام 2017 يصف الظاهرة بأنها هيمنة "ثقافة المال في المقام الأول".
وتحدث
في مقالته عن كون الانتظار في طابور لم يكن يوما من الأيام يشير إلى
المساواة كما يوحي في ظاهر الأمر، إذ يُعامل الأثرياء دائما بطريقة مختلفة.
لكن طوابير الأولوية تعني ببساطة أن المال يقوم بوظيفة طبقية، وهي تقسيم
المجتمع إلى طبقات بحسب الوضع المالي للشخص.
وعلى الرغم من ذلك يستمر "الدخول حسب الأولوية" بارزا في أماكن كثيرة.
وكانت
طوابير الأولوية مقتصرة على مدن الملاهي لا سيما "ديزني لاند" في الولايات
المتحدة و"ألتون تاورز" في بريطانيا، حيث تسمح تذكرة الدخول الأعلى سعرا
للزائرين بتفادي الانتظار في الطوابير الرئيسية لركوب الألعاب المختلفة.
وعلى
الرغم من ذلك لا يخلو الأمر من اعتراضات قانونية في سياقات معينة، إذ يقول
أندرو لي سيور، المحامي الدستوري، إن تفعيل خيار الدفع مقابل تسريع خدمة
المرور من خلال معابر الحدود البريطانية عند دخول البلاد يبدو متناقضا مع
مبادئ حقوق الإنسان المتعلقة بالمسافرين.
تقول أياليت فيشباتش، خبيرة العلوم السلوكية بكلية بوث لإدارة الأعمال
بجامعة شيكاغو، إنه باستثناء الخدمات الحكومية، فإن طوابير الأولوية تبدو
منطقية جدا.
وتضيف أن وجود طوابير الأولوية يتيح للأشخاص اختيار
الموارد التي يرغبون في استخدامها للوصول إلى مقدمة الطابور، الوقت أم
المال، فبالنسبة لكثير من الناس يعد الوقت أكثر قيمة وأهمية من المال، لذا
فإن القدرة على دفع المال من أجل توفير الوقت مكسب لهم.
وتقول فيشباتش إن "طابور الأولوية يعطي أيضا انطباعا بشأن جودة الخدمة حتى لو لم يستخدمه الأشخاص".
بيد
أنه في أماكن أخرى، يحب الناس الوقوف في الطوابير، ففي الآونة الأخيرة
انتظر آلاف الأشخاص في طابور طويل ليلا في لندن لشراء حذاء رياضي بمجرد أن
أعلنت الشركة عن بدء طرحه للبيع.
ويبلغ سعر الحذاء الرياضي 180
جنيها إسترلينيا وهو من تصميم "كاني ويست"، وتلجأ العلامات التجارية بشكل
متزايد على ترويج منتجاتها الجديدة بهذه الطريقة، ويبدو أن الزبائن يحبون
الوقوف في الطابور لشراء هذه المنتجات الجديدة.
وهذا نوع من
الطوابير الترفيهية إن شئت أن تسميها، يمتزج الانتظار فيها بعنصري التشويق
وصحبة الآخرين، وهو نفس الشيء الذي يجعل الانتظار لساعات طويلة في ساحة
ملعب بطولة "ويمبيلدون" للتنس ليس فقط ممتعا، بل مصدرا للفخر الوطني.
ويتعين على أي شركة تفكر في تخصيص طوابير أولوية، أن تأخذ بعين الاعتبار ما إذا كان هذا يبدو منطقيا بالنسبة لنشاطها.
وهل تسريع الخدمة هو ما يرغب الناس فيه بالفعل؟ أم أن تسريع الخدمة عن طريق طابور الأولوية من شأنه أن يعقد تجربة الشراء برمتها؟
يشير
نيك كارول، المدير المساعد لقسم البيع بالتجزئة في شركة "منتيل" لتحليل
السوق، إلى أنه في مجال شراء مواد البقالة لا تزال الطوابير مصدر إزعاج
للزبائن، حيث يبدي 24% منهم حاليا عدم رضاهم عن أوقات الانتظار في متاجر
السوبرماركت.
وتجرى حاليا اختبارات على طرق تفادي الانتظار في طوابير في مثل هذه الأماكن.
ويقول كارول: "يوجد اهتمام خاص بتجربة متجر (سينسبري) التي يستخدم فيها الهواتف الذكية في إجراء المسح الذاتي لأسعار المشتريات".
ويضيف
أن أكثر من نصف الذين تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 36 عاما يعتقدون أن مثل
هذه التكنولوجيا ينبغي أن تتوافر على نطاق واسع في متاجر البقالة.
بيد
أن القضية الأكثر جدلا تظل قائمة عندما يستطيع الأشخاص ببساطة دفع رسوم
مقابل تسريع قضاء حوائجهم داخل ذلك النظام، وهذا هو ما يبدو مزعجا
للكثيرين.
هل تؤدي هذه الظاهرة إلى تقسيم المجتمع إلى فئتين؟
يبدو أن الإجابة هي "نعم".
ويشير الكاتب الصحفي باغيني إلى أن هذا المجتمع منقسم دائما.
وهل استخدام المال كبديل للطبقية يمثل مشكلة؟ تعتمد الإجابة على طبيعة من تطرح عليه هذا السؤال.
ويشرح
ديك لارسون، في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا وخبير أنظمة الطوابير قائلا :
"إنها عبارة عن قوى السوق التي تهيمن تدريجيا على الكثير من الأشياء".
ويشير
إلى أن تجربة الأشخاص مع الطوابير لا تنحصر بالضرورة في المدة الزمنية
التي يقضونها في الطابور، فقد تبين أن الأكثر أهمية من ذلك هو ما يحدث
أثناء فترة الانتظار.
ففي تجربة شهيرة وُضعت مرايا على يسار المصاعد
في ناطحات السحاب في نيويورك أثناء مرحلة ما بعد الحرب في محاولة لتقليل
الشكاوى من طول أوقات الانتظار، حيث يمكن للموظفين ونزلاء الفنادق النظر في
المرايا لفحص مظهرهم بدلا من فرك الأصابع ضجرا أثناء الانتظار، وبهذا
تراجعت الشكاوى.
وتوجد طريقة أخرى لتناول الموضوع برمته.
فمع جود التكنولوجيا وفهم أفضل لما يريده الزبائن ومتى يريدونه، ربما يبرز سؤال مهم وهو : لماذا ينبغي أن يقف أي شخص في طابور؟
وتشير
تيفاني فاونتن، نائبة رئيس شركة "غارتنر" لتحليل السوق، إلى متاجر شركة
"أبل"، على سبيل المثال، التي يلزم على كل من يرغب من الزبائن في إجراء فحص
فني لجهاز أصابه عطل أن يحجز موعدا قبل السفر إلى المدينة التي توجد فيها
متاجر أبل.
وتقول فاونتن : "هذا نوع أشبه بتسريع الخدمة، لكنها
طريقة وقائية، وكأنهم يرغبون في التأكيد على عدم وجود طوابير قبل وصول
الزبون إلى المتجر".
إن الانتظار في طوابير يصبح بمرور الوقت شيئا
عفى عليه الزمن، لا سيما مع إمكانية إنجاز معاملاتك البنكية عبر الانترنت
بدلا من الانتظار في فرع البنك، وإمكانية دفع أسعار المشتريات عن طريق
خاصية المسح باستخدام هاتفك الذكي أو الدفع الآلي في محلات البقالة
والسوبرماركت.
الشيء المؤكد أن الطوابير لن تختفي تماما مع وجود
أوقات نستمتع فيها بالانتظار في هذه الطوابير، كما أشرنا من قبل، لكننا على
الأرجح نتفق على أن الانتظار في طابور أمر لا داعي له.
فتنظيم الشركات والمؤسسات التي تقدم الخدمات المختلفة لنفسها بشكل أفضل قد يسهم في اختفاء ظاهرة الانتظار طويلا.
وربما
تكون طوابير الأولوية وخدمة تسريع الخدمة مجرد برامج لكسب المال، لكنها
رغم ذلك تمثل استجابة لتذمرنا من الوقوف في الطابور لفترة طويلة.