ارتفعت في الآونة الأخيرة معدلات
الإصابة بسرطان الجلد بأنواعه حول العالم، وخاصة سرطان الخلايا الصبغية
(الميلانوما)، الذي يعد واحدا من أكثر أنواع سرطان الجلد فتكا، وإن كان لا
يزال أقل انتشارا من أنواع سرطان الجلد الأخرى.
في الولايات المتحدة وحدها، ارتفعت معدلات الإصابة بسرطان الجلد بنسبة 77 في المئة خلال العقدين الماضيين.
ويعد
السبب الرئيسي للإصابة بسرطان الجلد هو التعرض للأشعة فوق البنفسجية.
ويجمع العلماء على أن الطريقة الأكثر فعالية للوقاية منه هو وضع مستحضرات
الوقاية من أشعة الشمس.
ويقول ريتشارد ويلير، استشاري الأمراض
الجلدية بجامعة إدنبره: "في البداية، يجب أن نؤكد أن هناك أدلة قوية تثبت
أن مستحضرات الوقاية من الشمس تقي من سرطان الجلد".
وربما لهذا
تراجعت معدلات الإصابة بسرطان الجلد في بعض البلدان، ولا سيما الدول التي
زاد فيها الوعي بأهمية استخدام مستحضرات الوقاية من أشعة الشمس، رغم ارتفاع
تلك المعدلات في بلدان أخرى.
وتقول أديل غرين، رئيسة فريق العلماء المعني بدراسة السرطان
والسكان بمركز "بيرغوفر" للأبحاث الطبية بكوينزلاند بأستراليا، إن معدلات
الإصابة بسرطان الجلد أكثر ارتفاعا بين الجيل الأكبر سنا، بسبب الأضرار
الناتجة عن التعرض المباشر لأشعة الشمس على مدى عقود.
لكن بعض
الدراسات سلطت الضوء على الأثار المحتملة للمواد الفعالة التي تدخل في
تركيب مستحضرات الوقاية من الشمس، وأشارت إلى أن بعض هذه المواد قد تضر
بصحتنا.
وفي وقت سابق من هذا العام، اعتبرت إدارة الغذاء والدواء
الأمريكية، 14 عنصرا من العناصر الكيميائية التي تدخل في تركيب مستحضرات
الوقاية من الشمس، غير آمنة وغير فعالة.
تحتوي مستحضرات الوقاية من الشمس على مواد فعالة تشكل حاجزا من الأشعة
فوق البنفسجية تسمى مرشحات الأشعة فوق البنفسجية. وهناك نوعان من مرشحات
الأشعة فوق البنفسجية، أكثرها شيوعا المرشحات العضوية أو الكيميائية، التي
تمتص الأشعة فوق البنفسجية وتحولها إلى إشعاع أكثر أمانا. في حين أن مرشحات
الأشعة فوق البنفسجية غير العضوية، التي تعد أكثر أمانا، مثل ثاني أكسيد
التيتانيوم وأكسيد الزنك، تعكس الأشعة فوق البنفسجية وتشتتبها بعيدا عن
الجلد.
ومن المعلوم أن بعض المرشحات العضوية يمتصها الجلد وتدخل إلى
مجرى الدم، وهذا لا يدعو للخوف ما دامت المواد آمنة. لكن بعض الدراسات ركزت
على الآثار الجانبية المحتملة لمادة أوكسيبنزون، الأكثر استخداما في
مستحضرات الوقاية من الشمس.
وأشارت إدارة الغذاء والدواء في تقريرها
إلى أن تبعات استخدام كميات كبيرة من مستحضرات الوقاية من أشعة الشمس، غير
معروفة بعد. وخلصت دراسات أجريت على فئران إلى أن بعض المرشحات العضوية
للأشعة فوق البنفسجة، مثل أوكسيبنزون، وكذلك البرابين والفثالات، يشتبه في
أنها تسبب اضطراب الغدد الصماء، أي تؤثر على هرموناتنا.
ولوحظ أن
استخدام كميات كبيرة من مادة الفثالات، يعوق نمو الأعضاء التناسلية لدى
الذكور، وهذا قد يؤدي إلى مشكلات أخرى في مراحل لاحقة من العمر، مثل انخفاض
عدد الحيوانات المنوية أو ارتفاع مخاطر الإصابة بسرطان الخصية.
ولا
يقتصر استخدام الفثالات على مستحضرات الوقاية من أشعة الشمس، بل يدخل أيضا
في تركيب الكثير من مستحضرات التجميل، مثل الصابون والشامبو وطلاء الأظافر
وبخاخات الشعر، ويدخل البرابين في تركيب الكثير من مستحضرات العناية بالشعر
ومستحضرات التجميل.
واكتشفت لاورا فاندبرغ، أستاذة مساعدة بكلية
أمهيرست للعلوم الصحية والصحة العامة بجامعة ماساتشوستس، أن أوكسيبنزون قد
يؤثر على حجم الغدد الثديية للفئران، وعثر على آثار للمادة في حليب الثدي،
وهذا يدل على أنه قد يكون موجودا أيضا في أنسجة الثدي، مما قد يؤثر على
نموه ووظائفه وصحته.
لكن البعض يقولون إن الآثار الجانبية لمستحضرات
الوقاية من أشعة الشمس على الفئران لم تظهر إلا بعد وضع كميات كبيرة من
المستحضرات لا يستخدمها البشر عادة.
وفي عام 2011 على سبيل المثال، خلص باحثون إلى أن خلط أوكسيبنزون بطعام
الفئران اليافعة تسبب في نمو أرحامها بنسبة 23 في المئة. لكنهم ذكروا أن
كمية أوكسيبنزون التي تناولتها الفئران في هذه الدراسة قد تدخل إلى جسم
المرأة إذا استخدمت مستحضر الوقاية من الشمس يوميا لمدة تتراوح بين 34 و277
عاما.
وخلصت دراسة أخرى أجريت في عام 2015، على 500 زوج وزوجة كانوا
يحاولون الإنجاب، إلى أن وجود نسب مرتفعة من مادة بنزوفينون التي تقي من
الأشعة فوق البنفسجية في تحليل البول أدى إلى انخفاض فرص الذكور في الإنجاب
بنسبة 30 في المئة.
فيتامين د
وأثار
البعض تساؤلات أخرى بشأن مدى تأثير مستحضرات الوقاية من أشعة الشمس على
عملية تصنيع فيتامين د في الجسم. فإن المصدر الرئيسي لفيتامين د هو التعرض
للشمس، ويرى البعض أن مستحضرات الوقاية من الشمس قد تكون السبب في انتشار
نقص فيتامين د.
وتقول راشيل نيل، أستاذة مساعدة بمعهد بيرغوفر
للأبحاث الطبية بكوينزلاند، إن مستحضرات الوقاية من أشعة الشمس لا تؤثر على
مستويات فيتامين د في الجسم، لأن أطوال موجات الأشعة فوق البنفسجية التي
تسبب الحروق تختلف عن تلك التي يستمد منها الجسم فيتامين د.
وللحصول على الكميات الكافية من فيتامين د، تنصح نيل سكان المناطق التي
تمتاز بشمسها الساطعة على مدار العام بوضع مستحضرات الوقاية من الشمس
يوميا.
وينبه ويلر أيضا إلى أن هذه المخاوف من تأثير مستحضرات
الوقاية من أشعة الشمس على إنتاج فيتامين د، مبالغ فيها، لأن أغلب الناس لا
يستخدمون مستحضرات الوقاية من الشمس بالطريقة الصحيحة. إذ ينصح الأطباء
بوضع اثنين ملليغرام على كل سنتيمتر مربع، أي ما يعادل نحو ست ملاعق صغيرة.
لكن
ثمة فوائد أخرى للتعرض للشمس قد تحجبها مستحضرات الوقاية من الشمس- رغم أن
هذا لا ينفي مخاطر الإصابة بسرطان الجلد- من بينها أن الأشعة فوق
البنفسجية تحث الجسم على إنتاج جزيء أكسيد النيتريك الذي يسهم في توسيع
الأوعية الدموية وتخفيض ضغط الدم.
ويقول ويلر إن الكثير من الأدلة
تشير إلى أن أكسيد النيتريك يقلل من احتمالات الإصابة بأمراض القلب
والأوعية الدموية، وهذا أهم من الوقاية من سرطان الجلد.
إذ يرى ويلر
أن معدلات الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية أعلى من معدلات
الوفيات الناجمة عن سرطان الجلد. إذ تأتي أمراض القلب والأوعية الدموية في
مقدمة الأسباب التي تؤدي للوفاة على مستوى العالم. بينما تقدر نسبة الشفاء
من مرض سرطان الخلايا الصبغية بنحو 92 في المئة، ونادرا ما تؤدي الإصابة
بسرطان الجلد إلى الوفاة.
ويرجع البعض ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الجلد إلى أن مستحضرات
الوقاية من أشعة الشمس تشجعنا على البقاء تحت أشعة الشمس لفترات أطول.
ويقول
ديفيد ليفيل، أستاذ الجلدية والجراحة بكلية الطب بجامعة ييل، إن أغلب
المصابين بسرطان الجلد الذي تحدث معهم كانوا يتعرضون لأشعة الشمس لفترات
طويلة دون أن يعيدوا وضع مستحضرات الوقاية من أشعة الشمس من وقت لآخر، مع
العلم بأن تأثير المواد الكيميائية ينتهي بعد فترة محددة.
كوكب الحيوانات
إلا
أن تأثير مستحضرات الوقاية من أشعة الشمس لا يتوقف على صحة البشر فحسب، بل
أشارت عشرات الدراسات إلى أن المواد الحاجبة للأشعة فوق البنفسجية تهدد
الحياة البحرية أيضا. إذ عثر باحثون على آثار المواد الكيميائية التي تحجب
الأشعة فوق البنفسجية في بيض الطيور البحرية وفي البحار والأنهار بنسب
مرتفعة بما يكفي لإلحاق أضرار بالأسماك والشعب المرجانية والثدييات
البحرية.
وأشار الباحثون إلى أن المادة الأكثر سمية في مستحضرات
الوقاية من الشمس هي "أوكسيبنزون"، ولهذا فرضت بعض المنتجعات البيئية في
المكسيك، على الزائرين استخدام مستحضرات للوقاية من الشمس قابلة للتحلل
الحيوي.
وتقول شيريل وودلي، إحدى الباحثات بالإدارة الوطنية للمحيطات
والغلاف الجوي بالولايات المتحدة، إن المواد الكيميائية مثل أوكسيبنزون قد
تسبب اضطرابات هرمونية وتؤدي إلى تغيير الجنس لدى الأسماك، وتؤثر على
نموها وخصوبتها وتضعف قدرتها على إنتاج البيض".
وتضيف أن تلوث البيئة
بالمواد الكيميائية المستخدمة في تركيب مستحضرات الوقاية من أشعة الشمس قد
يضعف قدرتنا على الصمود في مواجهة التغيرات البيئية وقد يؤدي إلى انقراض
بعض الكائنات البحرية بسبب زيادة احتمالات إصابتها بالعقم.
وفي إحدى الدراسات التي أجريت على الشعب المرجانية في مياه هونغ كونغ،
اكتشف باحثون أن بعض العينات كانت ملوثة بتركيزات مرتفعة من المواد
الكيميائية المستخدمة في مستحضرات الوقاية من أشعة الشمس بما يكفي لإصابتها
بالتشوهات أو قتل الشعب المرجانية اليافعة.
لكن حتى الآن، يجمع
الخبراء على أهمية الوقاية من أشعة الشمس. ولعل الطريقة الأفضل لحماية
الجسم من أشعة الشمس وأيضا للحفاظ على الحياة البرية، هي ارتداء ملابس
والجلوس في الظل والابتعاد عن شمس الظهيرة الحارقة. وإذا تعذر ذلك، يتعين
أن نضع مستحضرات الوقاية من الشمس وفقا لتعليمات الخبراء والأطباء.
ويُنصح
باستخدام مستحضرات الوقاية من أشعة الشمس التي تتضمن مرشحات غير عضوية
للأشعة فوق البنفسجية، لتفادي الأثار المحتملة للمواد الكيميائية، مثل
أوكسيبنزون، على أجسامنا والحياة البرية.